خطفت عملية تسليم المطلوبين في مخيم عين الحلوة لانفسهم الى مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب طوعا، الاهتمام السياسي والأمني اللبناني والفلسطيني معا، في ظل الاصداء الايجابية التي تلاقيها هذه الخطوة، لجهة تحصين الأمن في المخيم عبر تفكيك "الألغام الموقوتة" والاستقرار مع الجوار اللبناني في مرحلة تعرّض فيها المخيّم لهجمة إعلامية غير مسبوقة مع المعلومات عن استعداد بعض "المجموعات الاسلامية المتشددة" للقيام بأعمال ارهابيّة في العمق اللبناني.
ثقة متبادلة
في القراءة السياسية، تعتبر أوساط متابعة لهذا الملف، انه جاء ترجمة للثقة المتبادلة بين القوى الفلسطينية والأجهزة الأمنية، وثمرة تنسيق مستمر بين الطرفين وخصوصًا بين اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا ومخابرات الجيش اللبناني في اطار الحرص على تفكيك اي لغم قد ينفجر في الداخل اللبناني، انطلاقا من عين الحلوة ويعيد خلط الاوراق على الساحة، بعدما اثبتت القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية حرصها على متابعة أي معلومة مهمّة صغيرة ويمكن ان تمسّ الأمن الوطني اللبناني.
اما في القراءة الفلسطينية، فقد أثارت عمليّة التسليم، تساؤلات عن حقيقة ما يجري وما اذا كان هناك "تسوية" ما، إلاّ انه جرى وضعها في اطار تفكيك "الالغام الموقوتة" لجهة المطلوبين من أنصار الارهابي الموقوف أحمد الأسير، او "المجموعات الاسلامية المتشددة" التي تشكّل هاجسا لدى القوى اللبنانية من مغبّة القيام بعمل تخريبي في الداخل اللبناني انطلاقا من المخيّم، في ظل ما يجري في سوريا من تطورات سياسية وأمنية متسارعة والحديث عن الانتقال من مرحلة "النصرة" الى ما سمّي بـ"الجهاد" في لبنان.
لا صفقة
ولكن، في القراءة اللبنانية، لا وجود لصفقة بين من يسلّمون أنفسهم طوعًا والجيش اللبناني، الّذي تلقف المبادرة بشكل ايجابي، دون ان تنفي مصادر عسكرية، أن "عددا من الفعاليات يتواصلون مع المطلوبين ومع الجيش، بعد نجاح مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود بتقديم تسهيلات لجهة سلاسة التحقيقات والاسراع بانجازها وتحويل الملفّ على القضاء، ما ترك اصداء ايجابية وحقّق انجازا في هذا الملف الذي بقي عالقا منذ عقود من الزمن نتيجة الصورة المرسومة عن سوء التوقيف"، لافتة الى ان "القضاء ينظر نظرة إيجابية لِمَن يسلّم نفسه ويأخذ عندها بالاسباب التخفيفية الادنى"، على ان "الجيش لا يساوم على دماء شهدائه ولا يتاجر بها ولا يجري صفقات تحت الطاولة".
ورجحت المصادر، أن تستمر عمليات التسليم، بل وترتفع وتيرتها في الأيّام المقبلة، سيّما وان عددا بارزا من المتّهمين قد سلّموا انفسهم ليتجاوز عددهم 25، أبرزهم شقيقا الإرهابي الإسلامي بلال بدر "شراع وأحمد" بدر، غالب حجير وهو عمّ بدر نفسه (والد خطيبته)، طارق شهابي وهو إبن شقيق القيادي الاسلامي أسامة شهابي، نجل قائد كتائب عبد الله عزام توفيق طه محمد، شقيق الفنان فضل شاكر محمد شمندور، محمد عبد الرحمن عوض نجل امير "فتح الاسلام" عبد الرحمن عوض الذي قتل في اشتباك مع مخابرات الجيش اللبناني في البقاع، الفلسطيني حسن مصطفى وهو ابن شقيق امير "عصبة الانصار الاسلامية" الشيخ ابو عبيدة.
وأكّد قائد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح لـ"النشرة" وجود تنسيق مع الجيش اللبناني لإنهاء ملف المطلوبين الموجودين في المخيم، وتسليم المطلوبين داخله؛ إما من تلقاء أنفسهم أو عن طريق القوّة الأمنية الفلسطينية، وذلك "في إطار المساعي المشتركة للحفاظ على أمن المخيم والجوار"، موضحا انه "لم ينطلق من المخيمات أي عمل أمني أساء للأمن اللبناني".
مفارقتان معبّرتان
اللافت وسط هذا التسليم، أمران، أوّلهما حل "تجمع الشباب المسلم" لنفسه في خطوة مفاجئة، فسّرها البعض انها اعتراض على تصرف بعض امراء "التجمع" واتخاذ قرارات ذاتيّة وتحميل تَبِعاتِها الى "التجمّع" ككلّ، وآخرها الإستنفار العسكريّ الذي نفذه الإسلامي المتشدد بلال بدر، دون مراجعة "التجمّع" وكاد يؤدي الى توتير أمني مع حركة "فتح" التي استنفرت بالمقابل، والبعض الآخر أنها نتيجة فكّ الترابط مع "جبهة النصرة" بعد تغيير اسمها الى "جبهة فتح الشام" وحصر عملها في الداخل السوري، وبينهما ما برر "التجمّع" نفسه لأن المصلحة تقتضي ذلك في هذا الظرف ومنعا لاستغلال الإسم لمصالح سياسية دينيّة.
أما الأمر الثاني، فتمثّل بعودة التوتير الأمني "المقصود" و"المحدود" عبر عودة "مجهول" الى القاء "قنابل الليل" في الشارع الفوقاني-سوق الخضار، في منطقة تعتبر "ساخنة" سابقا و"فاصلة" بين نفوذ "فتح" و"الاسلاميين المتشددين"، حيث انفجرت ثلاث قنابل في غضون ثلاثة ايام متتالية، وقد أظهرت إحدى كاميرات المراقبة ظهور شخص القى القنبلة قبل انفجارها وفرّ الى داخل زواريب المخيّم ولم يؤدّ الانفجار الى سقوط جرحى فيما اقتصرت الاضرار على الماديات.
واكدت مصادر فلسطينية مطّلعة، ان عودة مسلسل إلقاء القنابل داخل احياء المخيّم يهدف الى توتير الاجواء والعبث باستقراره خصوصا وان هناك بعض المتضررين من المناخ الإيجابي الذي حصل بعد قيام عدد كبير من المطلوبين بتسليم انفسهم، فيما اكد قائد "الامن الوطني الفلسطيني" في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، ان الاوضاع الامنية في عين الحلوة مستقرة وتحت السيطرة، وان بعض وسائل الاعلام تضخم الأحداث بهدف الإيحاء دوما ان المخيّم بؤرة امنية، موضحا أن خطوة تسليم المطلوبين لانفسهم ايجابية على طريق تحصين الامن والاستقرار في المخيم".
خلاصة القول، إن عين الحلوة يمرّ بمرحلة جديدة تستدعي المتابعة والاهتمام الفلسطيني والتشجيع اللبناني، إذ يعتبر تسليم المطلوبين أنفسهم خطوة أولى على طريق العودة الى الشرعية اللبنانيّة ويخفّف من الاحتقان نتيجة التوتير الأمني الذي قد يعيده الى المربّع الاول ليدور في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار.